مقاومة السباعيين للبرتغال
بقلم: الأستاذ عبد الوهاب بن الشيـﯕر البـﯕاري السباعي
رحمه الله تعالى
بداية من سنة 1465م شرع الأمير البرتغالي هانري الملقب (الملاح) في حملة كانت امتدادا للحروب الصليبية، وبداية للحملة الاستعمارية الواسعة في آن واحد.
لقد خرج هاني الملاح من لشبونة، وهدفه الدوران حول إفريقيا للاتصال بمملكة الراهب يوحنا الموجودة وراء بلاد المسلمين، التي كانت تصفها الأساطير بازدهار، وقوة لا مثيل لهما، وكان الأمير البرتغالي يتصور أن بمقدوره، إن تحالف مع الراهب يوحنا، أن يقضي على المسلمين نهائيا، إذا ما هاجمتهم جيوش مملكة الراهب يوحنا (الأسطورة مبنية على الحبشة) من الشرق، وتكالبت عليهم جيوش أوروبا من الغرب، حيث كانت إسبانيا تهاجم آخر ملوك الطوائف بالأندلس، وتطارد بقية فلولهم، فالحملة إذن من هذه الناحية صليبية محضة، لكنها لم تلبث أن تحولت إلى بداية الاستعمار، والتنازع على احتلال القارات الثلاث: إفريقيا، وآسيا، وأمريكا، استعباد المسلم وغير المسلم من شعوبها.
أثناء هذه الحملة احتل البرتغاليون مدينة الصويرة بالمغرب واتخذوها حصنا آمنا، ومقرا لجنودهم، ومخزنا لأسلحتهم، وميناء لبواخرهم، ثم تقدموا نحو الشواطئ الموريتانية، حيث لاقوا مقاومة قبلية عنيفة، أهمها قبيلة ﮔندوز التي انقرضت نهائيا تحت وطأة الجيوش البرتغالية وعتادها. ثم المقاومة التي قادها سبعة من السباعيين اشتهروا باسم (أبناء أبي السباع السبعة) الذين قضوا نحبهم شهداء بوادي الساقية الحمراء على يد المعتدين البرتغال، وعندما حاول البرتغاليون التغلغل في صحراء شنقيط لاقوا مقاومات أخرى، أهمها المقاومة التي قادها الإمام الحضرمي قرب مدينة أطار حيث استشهد رحمه الله.
دامت الحروب بين القبائل الموريتانية وجنود البرتغال ما يناهز ثلاثة قرون كان البرتغاليون أثناءها يطردون نهائيا إلى أن تلتجئ سفنهم لعرض المحيط، ولكنهم لا يلبثون أن يعودوا بعدما تجندهم حاميتهم في الصويرة التي تمدهم بالرجال وبالسلاح وبالزاد.
وظل السباعيون بحكم موقعهم الجغرافي ورحلاتهم بين السنغال والمغرب يساهمون في المقاومة بأنفسهم، وبأموالهم، وبما يجلبونه من أحدث الأسلحة إما من المغرب، وإما من السنغال، بينما ظل جيش المغرب وقبائله عاجزين عن إخراج البرتغال من الصويرة إلى القرن التاسع عشر.
في هذا القرن نزل بمدينة وادان شاب سباعي اسمه مولاي أحمد ابن الشيقر (الشيـﮕر) جاء يتاجر ليعون أخواته اليتيمات، ويطلب العلم لدى الشريف المشهور مولاي إبراهيم، ولم يلبث أن تزوج ببنت شيخه، ثم نشب بينهما خلاف في إحدى مسائل التوحيد، فاعتبر الشيخ رأي التلميذ ردة، واستدعى ابنته بينما تمسك التلميذ برأيه معتبرا أنه ما يزال عاجزا عن مقارعة حجج شيخه بحجج أقوى، فارتحل بأخواته، وتجارته إلى تِمْبُكْتُو، حيث تابع دراسته، وتجارته إلى أن عاد منها متضلعا من العلوم الدينية، قادرا على إثبات رأيه، واستعادة زوجه، فكان له ما أراد.
لكنه عاد كذلك غنيا غاية الغنى، فدعا إلى الجهاد في البرتغاليين، وتبعته قبيلته، وقبائل أخرى عديدة، فطرد البرتغال من الشواطئ الموريتانية متفطنا إلى أنهم سيعودون بعد أن تنجدهم الصويرة التي قرر طردهم منها باعتبارها جزء من دار الإسلام، وبعد حصار طويل هدم مولاي أحمد أسوار الصويرة واقتحم مخابئ البرتغاليين، فأخرجهم منها نهائيا لغير رجعة.
بعد تطهير الصويرة من رجس البرتغاليين اتصل مولاي أحمد ابن الشيقر رحمه الله بملك المغرب إذ ذاك المرحوم مولاي عبد الرحمن بن هشام العلوي الذي عينه قائدا على السباعيين المقيمين بناحية مراكش، حيث انتقل من مقاومة البرتغال إلى مقاومة الجهل والجفاف، ففرض بناء المساجد والكتاتيب القرآنية في سائر القرى، الأمر الذي أدى فيما بعد إلى بناء عدد من المدارس العلمية لم يعرف مثله في قبيلة أخرى، إذ وجد الفرنسيون عندما احتلوا المغرب بهذه القبيلة، نحو عشرين مدرسة كان لها إشعاعها وشهرتها حتى بفاس حاضرة العلم، وشق ساقيتي تاحموت وتاسباعيت تحملان الماء من الجبال لري سهول بوجمادة، ثم استقال وعاد رحمه الله إلى صحرائه حيث وافاه الأجل المحتوم من جملة الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وقضوا نحبهم.
عبد الوهاب بن الشيقر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
المرجع: أنظر: ماء العينين بن أماتي بن النعمان، الشيخ محمد بن سيدي محمد السباعي الموريتاني (1172هـ – 1263هـ)، بحث لنيل شهادة الليصانص في الشريعة الإسلامية، المعهد العالي للدراسات والبحوث والإسلامية، نواكشوط، 1985/1986م (ملحق البحث.(
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق