الصحراء الغربية و المأزق المغربي ...
طرح تمسك الأمم المتحدة بمبعوثها إلى الصحراء الدولة المغربية في مأزق سياسي كبير فسحب الثقة الذي أقدم عليه المغرب في قراءة خاطئة لموازين القوى ومواقف الدول الكبرى باستثناء فرنسا أنتج وضعا قانونيا غريبا،فسحب الثقة كما تردد لدى الساسة المغاربة هو قرار سيادي وبالتالي يقتضي الذهاب به بعيدا والإنسحاب من المفاوضات مادام المبعوث الأممي منحاز وغير حيادي حسب الخارجية المغربية،والعودة لطاولة المفاوضات تعني القبول بالأمر الواقع الذي تم رفضه سابقا وهذه مفارقة غير مقبولة وغير مبررة مادام المغرب قد أكد أكثر من مرة على أن مواقف المبعوث الأممي غير بريئة ومنحازة بشكل لافت للنظر.
القرار السيادي الذي أتخذه المغرب في خطوة غير مدروسة ينطلق من معطى قديم تم تأسيس ملف الصحراء عليه منذ البداية وهو أن المغرب يتفاوض دوليا على إقليم يعتبره مغربيا ويمارس عليه سيادته في حين أن واقع الأمر غير ذلك لأن مفهوم السيادة المتحدث عنه لا تعترف به للمغرب لا الأمم المتحدة ولا الدول الكبرى بما في ذلك فرنسا الحليف التقليدي،فإتفاقية مدريد الشهيرة سلمت بمقتضاها إسبانيا الإدارة للمغرب إلى حين تقرير الشعب الصحراوي لمصيره إما بالإنضمام للمغرب أو الإنفصال عنه وهذا ما لم يتحقق إلى الآن وبالتالي القراءة القانونية المطابقة لقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن تتحدث عن ضم و ليس إسترجاع جزء من تراب وطني يمكن التصرف فيه بحرية،مما يحيلنا مباشرة على قرار سحب الثقة وكيفية التعاطي معه في ظل تمسك المغرب بموقفه الرافض لهذا المبعوث،هل سيعيد الساسة المغاربة تكرار حادثة أمينتو حيدر التي تم طردها بناءا أيضا على قرار سيادي إتهمها بالخيانة وباركته الأحزاب والمجتمع المدني وفي النهاية تم ضرب السيادة مع الحائط و دخول السيدة تحت ضغط دولي تفهم أن الأمر يتعلق بنزاع لم يحسم بعد والإقليم الذي تود أمينتو حيدر العودة إليه هو جزء من وطنها الذي لازال معلقا قانونيا من حيث وضعه السياسي، ولايمكن للمغرب الذي يديره أن يمنع مواطنا من دخول ترابه الأصلي...الآن القصة تتكرر لكن هذه المرة مع مبعوث أممي مجرد التمسك به من طرف الأمين العام للأمم المتحدة يعني أن قراءة المغرب لقرار السحب كان خاطئا ومتسرعا ويعكس عدم قدرته التحكم في المجال الترابي الذي يديره سياسيا لأن خلفيات السحب كان وراءها الخوف من الزيارة المرتقبة للمبعوث الأممي للإقليم وهو خوف يعكس أن 35 سنة لم ينجح المغرب خلالها في تدعيم تواجده إجتماعيا أي ربح معركة الثقة مع ساكنة الصحراء وأن نخبه الإنتخابية والدستورية التي يوظفها في مبادراته داخل الإقليم لا تملك مشروعا قويا قادرا على مجابهة الزحف الحقوقي والإنفصالي داخل الصحراء و الذي غذاه المغرب نفسه من مقارباته الخاطئة التي بنيت أساسا على الولاءات وشراء الذمم وتحويل جزء من شعب الصحراء إلى متسولين ومخبرين لفائدة سلطة لم تنجح في توظيف السوسيولوجيا في فهم ثقافة مجتمع بدوي وجد نفسه في مواجهة متغيرات على المستوى السلوكي والمعيشي لم يكن مستعدا لها نفسيا وثقافيا...
الشئ الذي أنتج سياسة ترحيل جيل كامل من الأطفال والشباب إلى شمال المغرب لتفويت فرصة التعلم والثقافة على هؤلاء حتى يتم إخضاعهم لمنطق العطاء دون التفكير في المستقبل الذي يضمنه العلم في كل البلدان،هذا الإستثمار الخاطئ المسمى بأشبال الحسن الثاني لم يكن الوحيد بل تلته سياسة ممنهجة عملت ولاتزال على إقصاء العنصر الصحراوي و إظهاره بمظهر الأمي أو الإرتزاقي مما خلق هوة عميقة بين المواطنين المغاربة والصحراويين هوة لازال تكريسها مستمرا إلى الآن من خلال إختزال الصحراء في الجمل والرمال والزي التقليدي وجلسات الشاي ... لكن صحراء القيم والثقافة والأخلاق تم تحييدها لأنها تشكل جزءا من هوية تعمل الدولة المغربية على طمسها لأنها تشكل عامل خصوصية و استثناء.
المشكل الرئيسي في نزاع الصحراء بالنسبة للمغرب هو غياب الديمقراطية لأن الإشكال التاريخي نفسه الذي يرتكز عليه المغرب في مطالبته بالصحراء لم يعد يتماشى مع المتغيرات المحلية أو الدولية،لأن علاقة المغرب بالصحراء كما هو مروج لها رسميا هي علاقة "بيعة" وهذه هي المستند الوحيد الذي يملكه المغرب والذي قدمه معززا بظهائر لقبائل صحراوية معينة إلى محكمة العدل الدولية،هذا المعطى"البيعة" هو معطى شخصي ينبني على علاقة بعض قبائل الصحراء بسلاطين الدولة العلوية،هذا المرتكز التاريخي لم يعد اليوم قادرا على مجابهة ملف تحكمه قرارات دولية تتحدث عن الشرعية الدولية وعن حق الشعوب في تقرير المصير،إذا هذا المرتكز هو متحول وليس ثابت على اعتبار أن البعية لا تورث و حتى إن ورثت يمكن رفضها في إطار حرية الإنسان وحقوقه خصوصا إذا ابتعدنا عن التأويلات الدينية التي يمكن للبعض قراءة البيعة من خلالها...هذا المرتكز الذي بنى عليه المغرب مطالبته بالصحراء لم يتم تدعيمه بمرتكزات أخرى سيما بعد 35 سنة من التواجد على الإقليم أي نقل العلاقة بين الصحراويين والدولة المغربية من علاقة شخصية قائمة على البيعة إلى علاقة ممأسسة مبنية على قيم الديمقراطية والإرتباط بالمؤسسات المشكلة للدولة والمنتخبة ديمقراطيا،هذا هو مكمن الخطأ الذي لازال قائما ويتردد حتى من جل المثقفين والسياسيين الذين يطالبون بمغربية الصحراء دون أن يحاولوا صياغة ميثاق إجتماعي جديد في علاقة الصحراويين بالدولة المغربية،هذه العلاقة التي لم تعد قادرة على إقناع أجيال جديدة تخرجت من الجامعات بمدى تجذرها لأنها غير مؤسسة على ديمقراطية حقيقية.
الإقليم المتنازع عليه مفتوح الآن على كل الإحتمالات ولم يعد المغرب قادرا في ظل تراكم الأخطاء على التحكم في بوصلة النزاع لأن نخبه أفلست ولازال مصرا على تقديمها كعنوان للمرحلة وخطابه أيضا أفلس وما تعكسه قنواته التلفزيونية من تغييب للأصوات الصحراوية الجديدة دليل على أن الدولة المغربية مصرة على إظهار إما من يتحدث عن الصحراويين بالوكالة غير القانونية أو في أحسن الأحوال إستقدام أصوات ضعيفة لذر الرماد في العيون والحكومة الجديدة التي يقودها حزب إسلامي غير مدركة لثقل الملف خصوصا وأنها أصرت على الوفاء لما كانت الحكومات السابقة تقوم به إزاء الصحراء من إقصاء و تهميش وإخراجهم من كل المقاربات...
اللذين هندسوا للمجلس الإستشاري الصحراوي عاجزون عن الإجابة عن سؤال إحيائه في ظل دستور جديد دستر كل شيء إلا مجلس الصحراء وفتح حوار وطنيا في كل شيء من القضاء إلى البراكة وأقفل فمه عن مصير إقليم لا يريد أحد أن يفتح فيه حوارا مصغرا في قناة مغربية فما بالك بحوار وطني،مع أن الصحراء تشكل صمام الشرعية للدولة المغربية،لكن يبدو على أن هناك من لازال يحتاج لتعقيد الملف سنوات أخرى بدعوى الوحدة المفترى عليها...كريستوفر روس أو غيره لا يفهمون إلا في مسألة واحدة لأن تقاريرهم لا تأتي من فراغ لذا على الذين طالبوا برحيله أن يطالبوا أيضا بترحيل الديمقراطية إلى الصحراء وإطلاق سراح كافة معتقليها السياسيين وليس من الحكمة في شيء مقارنة دولة تدعي الديمقراطية وتروج لدستور جديد بإصلاحات عميقة بجبهة لا تملك سوى الإرادة في التحرر من كيان تراه مستعمرا وتعيش في مخيمات ذل وعارواحتجاز حسب الرواية الرسمية المروج لها منذ 35 سنة ولا تسائل ذاتها لماذا يصر هؤلاء على البقاء في ظل ظروف مزرية ولا يسارعون إلى جنة المغرب الديمقراطية،فلا يوجد عاقل في العالم يرفض الجنة سواء بتمثلاتها الأخروية أو الدنيوية،و إذا كان هناك إحتجاز كما تدعي الدولة المغربية فلماذا لا تصر على الإستفتاء على الأقل لتحرر هؤلاء من العيش في فيافي الرابوني والحمادة وتندوف،أما اللذين يوجدون فوق إقليمها فلا أظن أنه يمكن مقارنتهم بهؤلاء لأنهم يملكون كل شيء حسب الدولة المغربية،و تصويتهم على الدستور بنسبة 99.99 في المائة خير دليل على قناعتهم بالمغرب حسب بيانات وزارة الداخلية المغربية،الإستفتاء فقط من أجل ضحايا مخيمات الذل و العار...فلماذا الخوف منه ؟...
عبد الرحيم بوعيدة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق